باب البلاء والابتلاء
1التكفير عن الذنوب
نص السؤال
هل يبتلي الله الانسان بمرض ليكفر عن ذنوب مستقبلة لعلمه تعالى بوقوعها ؟
نص الجواب
التكفير عن الذنب انما يكون بعد وقوعه لا قبله ، نعم قد يكون من ألطاف الله تعالى الخفية الحيلولة بين العبد وبين وقوعه في الذنب ، قال (أقتلت نفساً زكية بغير نفس لقد جئت شيئاً نكر ... وأمّا الغلام فكان أبواه مؤمنين فخشينا أن يرهقهما طغياناً وكفرا ) الكهف / 74 ـ 80 .
2ما الفرق بين المصائب التي تصيب الفاسق والتي تصيب المؤمن
نص السؤال
ما الفرق تفصيلا بين المصائب التي تصيب الفاسق وتلك التي تصيب المؤمن ؟ .. ولماذا يبتلي الله المعصوم وهو لا ذنب له ؟
نص الجواب
لا فرق في البلايا والمحن التي تصيب ابناء الدنيا من الفاسق والمؤمن في الكيفية أو الكمية ، غاية ما هناك الفاسق ينقص من عقابه وتقل من عذابه ، والمؤمن يرفع درجاته ويزداد حسناته ، وسنة الله في خلقه البلاء والابتلاء ، وليس للذنب دخل فيه ابدا .
3اقسام البلاء
نص السؤال
كيف يمتحن الله عز وجل محمد وآل بيته عليهم السلام ويختبرهم ؟
فهل من الممكن القول أن الله عز وجل يمتحن ويختبر ذوي القربى بما فيهم الـعصومون الربعة عشر علیهم السلام ؟
هل من الممكن القول أن أنواع المصائب التي حلت على نبينا محمد و عترته الطاهرة من عذاب وإيذاء وتكفير وفتن امتحانٌ من الباري عز وجل لهم ليرى مدى قوة تحملهم وصبرهم عليها لنصرة دين الله ؟
هل من الممكن أن نقول أن مجرد إتيان محمد وآله صلوات الله عليهم العبادات بمختلف أنواعها من أداء صلاة وإتيان زكاة و الجهاد وإقامة العدل وما شابه ذلك من العبادات بما فيها تبليغ الرسالة إلى الناس هي أفعال بحد ذاتها أداء الامتحان التبليغي الذي أوكله الله تعالى عليهم ليرى مدى حرصهم على أداء الأمانة ؟
نص الجواب
جاء في كتاب جَامِعُ الْأَخْبَارِ ، قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام : ( إِنَّ الْبَلَاءَ لِلظَّالِمِ أَدَبٌ وَ لِلْمُؤْمِنِ امْتِحَانٌ وَ لِلْأَنْبِيَاءِ دَرَجَةٌ وَ لِلْأَوْلِيَاءِ كَرَامَةٌ )[1]
وعلى ضوء هذا الخبر يمكن أن نقسم البلاء إلى عدة أقسام :
1-البلاء للظالم أدب :
وهذا البلاء له في الدنيا أدب فإن الظلم الذي يصدر منه في حياته لا بد له من عقاب وقصاص وانتقام وأخذ حق الظالم من المظلوم ولكن في هذه الدنيا لا يمكن الاقتصاص من الظالم كاملا وأخذ كل حقوق الآخرين الذين ظلمهم وقتلهم وسفك دمائهم فإن هذه الدنيا ضيقة فلو أن الظالم قتل مئات الآلاف أو الملايين من البشر كيف يقتص منه وهو فرد واحد في مقابل نفر واحد ولكن عذابه الذي يستحقه ويتمكن كل أحد أن يأخذ حقه منه في الآخرة .
أما ما يصيب الظالم في دار الدنيا من بلاء فليس هو عقابه وإنما هو أدب له وتنبيه له على ظلمه حتى يرتدع عن غيه ويكون ذلك حجة عليه وقد يكون انتقاماً منه في بعض الحالات .
2-البلاء للمؤمن امتحان :
الدنيا هي دار البلاء والامتحان والاختبار فالإنسان فيها يحتاج إلى تصفية وتهذيب بعد أن يمر بالكدورات والأوساخ الأخلاقية والعقائدية التي تعلق به جراء وجوده في هذه الدنيا فلا بد من تصفيته وتطهيره ودعوته إلى الله وليس ذلك أن الامتحان كما في الامتحانات الدنيوية من أن الأستاذ يجهل تلميذه فيمتحنه فالله أعلم به قبل أن يخلقه والامتحان هو الغربلة والتصفية والتطهير والتربية الأخلاقية والروحية وقد تعددت الروايات إلى أن المؤمن مبتلا وممتحن أكثر من غيره وأن ذلك من باب محبة الله له ولأن يقربه إليه أكثر فأكثر وإليك بعضها : 1-عَنْ أَحْمَدَ بْنِ سُلَيْمَانَ الْقُمِّيِّ عَنِ الصَّادِقِ عليه السلام فِي خَبَرٍ أَنَّهُ قَالَ : ( وَ إِنَّمَا يَبْتَلِي اللَّهُ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى الْمُؤْمِنِينَ مِنْ عِبَادِهِ عَلَى قَدْرِ مَنَازِلِهِمْ عِنْدَهُ )[2]
فأهل الدرجات العالية يمتحنون ويبتلون بأعظم من غيرهم وكل ما كبروا وعلوا اشتد بلاؤهم .
2-عَنِ الْمِنْهَالِ بْنِ عَمْرٍو فِي خَبَرٍ أَنَّهُ قَالَ : قَالَ رَجُلٌ لِلْبَاقِرِ عليه السلام : وَ اللَّهِ إِنِّي لَأُحِبُّكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ قَالَ عليه السلام : ( فَاتَّخِذِ الْبَلَاءَ جِلْبَاباً فَوَاللَّهِ إِنَّهُ لَأَسْرَعُ إِلَيْنَا وَ إِلَى شِيعَتِنَا مِنَ السَّيْلِ فِي الْوَادِي وَ بِنَا يُبْدَأُ الْبَلَاءُ ثُمَّ بِكُمْ وَ بِنَا يُبْدَأُ الرَّخَاءُ ثُمَّ بِكُمْ ) [3]
لأن أهل البيت عليهم السلام معرضون إلى البلاء أكثر من غيرهم وكذلك من يحبهم ويتقرب إليهم ويواليهم فليستعد للبلاء وقد أثبت التاريخ أن الموالين لأهل البيت عليهم قد مروا بالبلاء والقتل والتشريد والسجن والظلم ما لم يمر به غيرهم .
3-عَنْ أَبِي حَمْزَةَ عَنْ أَبِي الْحَسَنِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ (ع) قَالَ : ( مَثَلُ الْمُؤْمِنِ مَثَلُ كَفَّتَيِ الْمِيزَانِ كُلَّمَا زِيدَ فِي إِيمَانِهِ زِيدَ فِي بَلَائِهِ لِيَلْقَى اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ وَ لَا خَطِيئَةَ لَهُ )[4]
4-جاء في صَحِيفَةُ الرِّضَا عليه السلام بِإِسْنَادِهِ عَنْهُ عَنْ آبَائِهِ عليهم السلام : أَنَّ فِي كِتَابِ عَلِيٍّ عليه السلام : ( أَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ بَلَاءً النَّبِيُّونَ ثُمَّ الْوَصِيُّونَ ثُمَّ الْأَمْثَلُ فَالْأَمْثَلُ وَ أَنَّمَا يُبْتَلَى الْمُؤْمِنُ عَلَى قَدْرِ أَعْمَالِهِ الْحَسَنَةِ فَمَنْ صَحَّ دِينُهُ وَ حَسُنَ عَمَلُهُ اشْتَدَّ بَلَاؤُهُ وَ مَنْ سَخُفَ دِينُهُ وَ ضَعُفَ عَمَلُهُ قَلَّ بَلَاؤُهُ وَ أَنَّ الْبَلَاءَ أَسْرَعُ إِلَى الْمُؤْمِنِ التَّقِيِّ مِنَ الْمَطَرِ إِلَى قَرَارِ الْأَرْضِ وَ ذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ لَمْ يَجْعَلِ الدُّنْيَا ثَوَاباً لِمُؤْمِنٍ وَ لَا عُقُوبَةً لِكَافِرٍ )[5]
5-وَ عَنْ أَبِي بَصِيرٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام قَالَ : ( إِنَّ لِلَّهِ عِبَاداً فِي الْأَرْضِ مِنْ خَالِصِ عِبَادِهِ لَيْسَ يُنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ تُحْفَةً لِلدُّنْيَا إِلَّا صَرَفَهَا عَنْهُمْ إِلَى غَيْرِهَا وَ لَا يُنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ بَلَاءً لِلْآخِرَةِ إِلَّا صَرَفَهُ إِلَيْهِمْ وَ هُمْ شِيعَةُ عَلِيٍّ وَ أَهْلِ بَيْتِهِ عليهم السلام )[6]
وهكذا نرى أنه لابد للمؤمن من البلاء حباً لله ليمحصه ويقربه إليه .
3-البلاء للأنبياء درجات :
جاء في الخبر الصحيح عَنْ هِشَامِ بْنِ سَالِمٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام قَالَ : ( إِنَّ أَشَدَّ النَّاسِ بَلَاءً الْأَنْبِيَاءُ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الْأَمْثَلُ فَالْأَمْثَلُ )[7]
إن فلسفة البلاء والامتحان لا يدركها كل أحد من الناس فالبلاء والامتحان نعمة كبرى على الأنبياء والأولياء عليهم السلام بل وعلى المؤمنين المخلصين وهم يتلذذون به كما يتلذذون بالنعم وأكثر ويشتاقون إليه كما يشتاقون إلى النعم وإذا قرأنا تاريخ الأنبياء والأولياء والصالحين في القرآن الكريم لرأيناه مليءً بالبلاء والامتحان بل ولا أثنى المولى سبحانه على أحد من لدن آدم عليه السلام إلى نبينا محمد صلى الله عليه وآله إلا بعد مروره بالامتحان ونجاحه فيه لأنه يقربه إلى الله ويكشف له عظيم الربوبية وحق العبودية وهذا كله للأنبياء إعلاء لدرجاتهم وأن هناك درجات لا تنال إلا بالبلاء والامتحان وعلى هذا فالأنبياء هم أشد الناس بلاء ثم الأقرب إليهم من الذين يلونهم ثم الأمثل فالأمثل كل ذلك على قدر منازلهم وقربهم إلى الله .
ولأجل تقريب هذا المعنى إلى الذهن أنقل هذا النص من كتاب مصباح الشريعة لأحد علمائنا المتقدمين وربما ينسب إلى الإمام الصادق عليه السلام يوضح فلسفة البلاء وأنه زينة للمؤمن وكرامة للعقلاء وعلى رأسهم الأولياء فقد جاء في مِصْبَاحُ الشَّرِيعَةِ ، قَالَ الصَّادِقُ عليه السلام : ( الْبَلَاءُ زِينَةُ الْمُؤْمِنِ وَ كَرَامَةٌ لِمَنْ عَقَلَ لِأَنَّ فِي مُبَاشَرَتِهِ وَ الصَّبْرِ عَلَيْهِ وَ الثَّبَاتِ عِنْدَهُ تَصْحِيحَ نِسْبَةِ الْإِيمَانِ . قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وآله : نَحْنُ مَعَاشِرَ الْأَنْبِيَاءِ أَشَدُّ النَّاسِ بَلَاءً فَالْمُؤْمِنُ الْأَمْثَلُ فَالْأَمْثَلُ وَ مَنْ ذَاقَ طَعْمَ الْبَلَاءِ تَحْتَ سِتْرِ حِفْظِ اللَّهِ لَهُ تَلَذَّذَ بِهِ أَكْثَرَ مِنْ تَلَذُّذِهِ بِالنِّعْمَةِ وَ يَشْتَاقُ إِلَيْهِ إِذَا فَقَدَهُ لِأَنَّ تَحْتَ نِيرَانِ الْبَلَاءِ وَ الْمِحْنَةِ أَنْوَارَ النِّعْمَةِ وَ تَحْتَ أَنْوَارِ النِّعْمَةِ نِيرَانَ الْبَلَاءِ وَ الْمِحْنَةِ وَ قَدْ يَنْجُو مِنَ الْبَلَاءِ كَثِيرٌ وَ يَهْلِكُ فِي النِّعْمَةِ كَثِيرٌ وَ مَا أَثْنَى اللَّهُ تَعَالَى عَلَى عَبْدٍ مِنْ عِبَادِهِ مِنْ لَدُنْ آدَمَ إِلَى مُحَمَّدٍ (ص) إِلَّا بَعْدَ ابْتِلَائِهِ وَ وَفَاءِ حَقِّ الْعُبُودِيَّةِ فِيهِ فَكَرَامَاتُ اللَّهِ فِي الْحَقِيقَةِ نِهَايَاتٌ بِدَايَاتُهَا الْبَلَاءُ وَ بِدَايَاتُ نِهَايَاتِهَا الْبَلَاءُ وَ مَنْ خَرَجَ مِنْ سَبِيكَةِ الْبَلْوَى جُعِلَ سِرَاجَ الْمُؤْمِنِينَ وَ مُؤْنِسَ الْمُقَرَّبِينَ وَ دَلِيلَ الْقَاصِدِينَ وَ لَا خَيْرَ فِي عَبْدٍ شَكَا مِنْ مِحْنَةٍ يَقْدُمُهَا آلَافُ نِعْمَةٍ وَ اتَّبَعَهَا آلَافُ رَاحَةٍ وَ مَنْ لَا يَقْضِي حَقَّ الصَّبْرِ عَلَى الْبَلَاءِ حُرِمَ قَضَاءَ الشُّكْرِ فِي النَّعْمَاءِ كَذَلِكَ مَنْ لَا يُؤَدِّي حَقَّ الشُّكْرِ فِي النَّعْمَاءِ يُحْرَمُ عَنْ قَضَاءِ الصَّبْرِ فِي الْبَلَاءِ وَ مَنْ حُرِمَهُمَا فَهُوَ مِنَ الْمَطْرُودِينَ )[8]
فهذا النص يجعل البلاء من أكبر النعم على البشر عامة بما فيهم الأنبياء والأولياء والذي يخرج منه يكون قائد الأمة لأنه قد صفي كما يصفى الذهب ( وَ مَنْ خَرَجَ مِنْ سَبِيكَةِ الْبَلْوَى جُعِلَ سِرَاجَ الْمُؤْمِنِينَ وَ مُؤْنِسَ الْمُقَرَّبِينَ وَ دَلِيلَ الْقَاصِدِينَ ) ما أروع هذه الكلمة التي تجعل البلوى كالغلاف الذي يلف الإنسان وتشبهه بسبيكة الذهب وبعد ذلك يتبوء مقعد القيادة للأمة في مسيرتها إلى الله فيكون سراجا للمؤمنين يضيء لهم الدرب ومؤنس المقربين إلى الله ودليل القاصدين إلى الله وهذه هي مهمة الأنبياء والأئمة عليهم السلام .
4-البلاء لِلْأَوْلِيَاءِ كَرَامَةٌ :
الأولياء يأتون في الدرجة بعد الأنبياء من حيث العظمة والمسؤولية وكذلك من حيث الامتحان والبلاء فهم شركاء معهم وهذه كرامة من الله إليهم وما ابتلاهم إلا لأجل محبته لهم وقد تضافرت الروايات على ذلك وإليك بعضها :
1- عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَجَّاجِ قَالَ ذُكِرَ عِنْدَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (ع) الْبَلَاءُ وَ مَا يَخُصُّ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ بِهِ الْمُؤْمِنَ فَقَالَ : ( سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله : مَنْ أَشَدُّ النَّاسِ بَلَاءً فِي الدُّنْيَا فَقَالَ : النَّبِيُّونَ ثُمَّ الْأَمْثَلُ فَالْأَمْثَلُ وَ يُبْتَلَى الْمُؤْمِنُ بَعْدُ عَلَى قَدْرِ إِيمَانِهِ وَ حُسْنِ أَعْمَالِهِ فَمَنْ صَحَّ إِيمَانُهُ وَ حَسُنَ عَمَلُهُ اشْتَدَّ بَلَاؤُهُ وَ مَنْ سَخُفَ إِيمَانُهُ وَ ضَعُفَ عَمَلُهُ قَلَّ بَلَاؤُهُ )[9]
2- عَنْ فُضَيْلِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام قَالَ : ( أَشَدُّ النَّاسِ بَلَاءً الْأَنْبِيَاءُ ثُمَّ الْأَوْصِيَاءُ ثُمَّ الْأَمَاثِلُ فَالْأَمَاثِلُ )[10]
3- عَنْ أَبِي بَصِيرٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام قَالَ : ( إِنَّ لِلَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ عِبَاداً فِي الْأَرْضِ مِنْ خَالِصِ عِبَادِهِ مَا يُنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ تُحْفَةً إِلَى الْأَرْضِ إِلَّا صَرَفَهَا عَنْهُمْ إِلَى غَيْرِهِمْ وَ لَا بَلِيَّةً إِلَّا صَرَفَهَا إِلَيْهِمْ )[11]
4- عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عُلْوَانَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام أَنَّهُ قَالَ : ( وَ عِنْدَهُ سَدِيرٌ إِنَّ اللَّهَ إِذَا أَحَبَّ عَبْداً غَتَّهُ بِالْبَلَاءِ غَتّاً وَ إِنَّا وَ إِيَّاكُمْ يَا سَدِيرُ لَنُصْبِحُ بِهِ وَ نُمْسِي )[12]
5-عَنْ حَمَّادٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام قَالَ : ( إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى إِذَا أَحَبَّ عَبْداً غَتَّهُ بِالْبَلَاءِ غَتّاً وَ ثَجَّهُ بِالْبَلَاءِ ثَجّاً فَإِذَا دَعَاهُ قَالَ لَبَّيْكَ عَبْدِي لَئِنْ عَجَّلْتُ لَكَ مَا سَأَلْتَ إِنِّي عَلَى ذَلِكَ لَقَادِرٌ وَ لَئِنِ ادَّخَرْتُ لَكَ فَمَا ادَّخَرْتُ لَكَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ ) [13]
غتّه : أي غطه في البلاء أدخله فيه مثل غطه وأدخله في الماء .
ثجّه : أساله بمعنى والله العالم أنه خلطه مع البلاء .
6- عَنْ جَابِرِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (ع) قَالَ : ( إِنَّمَا يُبْتَلَى الْمُؤْمِنُ فِي الدُّنْيَا عَلَى قَدْرِ دِينِهِ أَوْ قَالَ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ )[14]
الجزاء على قدر البلاء :
لا إشكال أن الثواب والجزاء يختلف من شخص إلى آخر كما يختلف من عمل إلى عمل فكل ما يكون البلاء أعظم وأكبر فالثواب يكون أكثر فعَنْ زَيْدٍ الزَّرَّادِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (ع) قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (ص) : ( إِنَّ عَظِيمَ الْبَلَاءِ يُكَافَأُ بِهِ عَظِيمُ الْجَزَاءِ فَإِذَا أَحَبَّ اللَّهُ عَبْداً ابْتَلَاهُ بِعَظِيمِ الْبَلَاءِ فَمَنْ رَضِيَ فَلَهُ عِنْدَ اللَّهِ الرِّضَا وَ مَنْ سَخِطَ الْبَلَاءَ فَلَهُ عِنْدَ اللَّهِ السَّخَطُ )[15]
وعَنْ زَيْدٍ الشَّحَّامِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (ع) قَالَ : ( إِنَّ عَظِيمَ الْأَجْرِ لَمَعَ عَظِيمِ الْبَلَاءِ وَ مَا أَحَبَّ اللَّهُ قَوْماً إِلَّا ابْتَلَاهُمْ )[16]
والحاصل : أن البلاء والامتحان للأنبياء والأولياء والصالحين والمؤمنين إنما هو لمحبة الله إليهم فأتحفهم بهذه التحفة العظيمة التي لا يعلم قدرها إلا هم وكل ما اشتد البلاء زاد الأجر والثواب .
وأنقل لكم ما تقدم في حديث لنا بعنوان ( الدعاء لرفع البلاء 2 ) وهو :
الابتلاء والامتحان على قسمين وذلك لاختلاف حال الشخص :
1- الابتلاء انتقام :
قد يكون الابتلاء انتقاما ينتقم به المولى ممن تخلى عن وظيفته التي تخلى عنها وتعداها إلى الظلم والعدوان على الآخرين فمن عدل المولى سبحانه أن ينتقم من الظالم وأخذ حق المظلوم من ظالمه سواء كان عاجلا أم آجلا ، إن بعض الذنوب قد تعجل عقوبته كالظلم للآخرين وعقوق الوالدين وغيرهما وقد دلت على ذلك الآيات والروايات الصريحة منها : ما جاء في الصحيح عَنْ عَبَّادِ بْنِ صُهَيْبٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ إِذَا عَصَانِي مَنْ عَرَفَنِي سَلَّطْتُ عَلَيْهِ مَنْ لَا يَعْرِفُنِي [17]
ومنها : ما عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ هِلَالٍ الشَّامِيِّ مَوْلًى لِأَبِي الْحَسَنِ مُوسَى عليه السلام قَالَ سَمِعْتُ الرِّضَا عليه السلام يَقُولُ كُلَّمَا أَحْدَثَ الْعِبَادُ مِنَ الذُّنُوبِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَعْمَلُونَ أَحْدَثَ اللَّهُ لَهُمْ مِنَ الْبَلَاءِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَعْرِفُونَ [18]
وكم يشاهد الإنسان أمام عينيه بعض الظلمة الذين عاثوا في الأرض فساداً انتقم الله منهم وأذلهم وأخزاهم في الدنيا قبل الآخرة ، كما فعل بالأمم السابقة .
2- الابتلاء رحمة وإعلاء للدرجات :
القسم الآخر من الابتلاء إنما يكون لأجل الاختبار وإعلاء الدرجات وتقوية الإيمان ؛ فإن الإنسان مهما كان مؤمناً ومطيعا لله فإنه يوجد لديه فراغ ومجال للتكامل والتقرب إلى الله أكثر فأكثر ، إن من أهم العوامل للتكامل الروحي هو الابتلاء والاختبار فإن الإنسان مهما كان غافلا عن الله والتوجه إليه فإنه عندما تحل به المصائب والمحن سوف يفيق من غفلته ويلتجئ إلى الله ويدعوه في النجاة والخلاص مما هو فيه بل نفس المحن والابتلاء هي في حد ذاتها تصفية وتطهير عن البعد عن الله وعن ما يحمله المذنب من نجاسات وقذرات الذنوب .
قال العلامة المجلسي : والبلاء ما يختبر وما يمتحن من خير أو شر وأكثر ما يأتي ما يأتي مطلقاً الشر وأريد به الخير يأتي مقيداً كما قال تعالى { بَلاء حَسَناً } . وأصله المحنة والله تعالى يبتلي عبده بالصنع الجميل لمتحن شكره ، وبما يكره ليمتحن صبره ، يقال : بلاه الله بخير أو شر يبلوه بلواً وأبلاه وإبلاء وابتلاه ابتلاء ، بمعنى امتحنه والاسم البلاء مثل سلام ، والبلوى والبلية مثله [19] .
لذلك أكدت الروايات أن المؤمن كلما ازداد إيمانا ازداد ابتلاء وامتحانا ، وأن الله يتعاهد عبده المؤمن بالابتلاء كما يتعاهد رب البيت أهله بالفاكهة والطعام والشراب ، وأن الامتحان والابتلاء للمؤمن هو إعلاء لدرجاته و كلما ازدادت محبة الله لعبده ازداد ابتلاؤه إليه وقد تضافرت الروايات على ذلك . *************************